كثيراً ما تراودنا أسئلة عن أصول الكون ونشأته وشكله وأمور فلسفية تتعلق بما وراء الطبيعة , فهذه أسئلة تراودنا بشكل طبيعي و ناتجة عن فضول البشر لمعرفة حقيقة وجودهم , وغالباً ما كانت موجة الفضول هذه مرافقة لعلماء الفيزياء منذ نعومة أظافرهم , ففي معظم الأحيان كان نيوتن وآينشتاين وغيرهم من العلماء غارقين في مواضيع تتعلق عن الكون وماهيته, ولايزال لحد الآن جوهر الفضول دافعا لارسال رحلات فضائية بهدف اكتشاف المجهول ..
من الأمور التي شغلت آينشتاين السؤال الذي طُرِحَ عليه : هل للكون جدار , وإذا كان له فماذا يوجد خلف هذا الجدار ؟
في الواقع قد يكون كولومبوس أجاب عن هذا السؤال عندما حدد شكل الأرض , فـإذا نظرنا للأرض على أنها ثلاثية الأبعاد فهي محدودة ( فما هي في هذه الحالة إلا كرة تسبح في الفضاء ) , لكن إذا اعتبرناها ثنائية البعد ستغدو غير محدودة ( لأن المرء يستطيع الطواف حول محيطها إلى ما لا نهاية ) , فأي إنسان يمشي على سطحها لن يدرك نهايتها أبداً
معنى هذا أن الأرض قد تكون محدودة وقد تكون غير محدودة وفقاً لعدد الأبعاد التي نراها من خلالها , لكننا إذا طبقنا هذه النظرية على الكون فسنجده يصير غير محدود إذا اعتبرناه ثلاثي الأبعاد , فليس هناك في الفضاء جدار يمثل نهاية الكون , وإذا أطلقنا صاروخاً في الفضاء فلن يصطدم بجدار كوني , لكن هناك احتمالاً بأن يكون الكون محدوداً إذا اعتبرناه رباعي الأبعاد , فإذا كان الكون أشبه بكرة رباعية الأبعاد أو فضاء متعدد الأبعاد فقد يستطيع المرء الذي يعيش فيه أن يدور دورة كاملة حول الكون ويعود حيث كان , وفي كون كهذا يصير أبعد شيء يمكن أن يراه المرء من خلال تلسكوب هو ظهر يده !!
البعض من العلماء يرى بان اغلب الاجسام المتواجدة في الفضاء تأخذ شكلا بيضويا لذلك رجحوا بان يكون شكل الكون مماثلا اي بيضوي الشكل لذلك فان السير في الكون قد يقودك بلا شك الى نهاية حتمية قد تكون عبارة عن جدار ورجحوا بان خلف ذلك الجدار فراغ ولا يوجد سوى الظلام وقد نشرت ناسا صورة للكون على انه بيضوي وكل ماخارجه هو عبارة عن ظلام ؟ لكن تبقى هاته الاقوال مجرد تخيلات لم يتم اثباتها او حتى الوصول اليها فدائما مايتم بناء العلم على فرضيات ثم يتم دراستها للوصول الى النتائج.
لكن السؤال الذي أرهق العلماء ما هو عدد الأبعاد التي يمكن للكون أن يحتويه حتى يرى ما خارجه ؟
من أهم الأبحاث بما يخص هذا السؤال الذي أثار اهتمام آينشتاين عام 1921 هو بحث إطّلع عليه لعالم رياضي مغمور يدعى ثيودور كالوزا , اقترح كالوزا أن يضيف آينشتاين بعداً خامساً إلى معادلته رباعية الأبعاد بعد أن أعاد صياغة النسبية العامة من خلال خمسة أبعاد ( أربعة للمكان و واحد للزمان ) , ولم تكن بالمهمة العسيرة لأن معادلات آينشتاين قابلة لأن تتوافق مع أي بعد كان , ثم شرح كالوزا فكرته في أسطر قليلة , فـانبهر اينشتاين ببحث كالوزا الذي تميز بالجرأة والإتقان في ذات الوقت فـكتب له رسالة جاء فيها : ( إن فكرة تحقيق التوحيد عن طريق افتراض كون العالم خماسي البعد لم تخطر لي ببال مطلقاً , وأنني أحببت فكرتك تلك من النظرة الأولى )
لكن السؤال الذي يطرح نفسه : أين هذا البعد الخامس ؟ فلم يحدث حتى يومنا هذا أن أجريت تجربة وأثبتت وجود أبعاد مكانية عليا غير الطول والعرض والارتفاع , وإذا كانت مثل هذه الأبعاد موجودة بالفعل فلا بد أنها متناهية في الصغر ولا يتعدى حجمها حجم الذرة ..
لكن في الواقع أن الفيزيائين قد فوتوا على أنفسهم فرصة ثمينة في ذلك الوقت لأنهم لم يأخذوا نظرية كالوزا على محمل الجد , فقد كان باستطاعتهم إضافة أبعاد أخرى إلى البعد الخامس نفسه , فكلما زدنا من عدد الأبعاد زاد عدد مجالات ماكسويل إلى ما يسمى بـ ( مجالات يانج ميلز ) , لكن تلك الاكتشافات تلاشت في معمعة الحرب العالمية الثانية , ولم يعد اكتشافها إلا في منتصف الخمسينات , ومجالات يانج ميلز هي التي تشكل اليوم الأساس الذي تقوم عليه القوة النووية , وعليها تقوم معظم النظريات الفيزيائية دون الذرية .
بعد عشرين عاماً أخرى تم إحياء تلك النظرية من جديد في صورة نظرية الأوتار الفائقة صاحبة الأحد عشر بُعداً .. ولا يزال العلم في تسارع مطّرد لإحصاء عدد أبعاد الكون فهل سنصل يوماً لصورة كاملة لكوننا وأبعاده القابلة للتزايد يوماً تلو الآخر !!
أضف تعليق:
0 comments: