هل كنت تتمنى أن يفكر الجميع مثلك ؟

هل كنت تتمنى أن والديك او شريك حياتك او زملائك او اصدقائك يفكرون مثلما تفكر ؟ هل كنت تتمنى أن يرو ماتراه صوابا ويوافقوك الرأي دوما؟

من المثير أن أقرب الناس إليك لديهم في الكثير من الأحيان آراء مختلفة عنك وهو مايصيبك بالارتباك.. تسأل نفسك لماذا تسير الأمور بهذا الشكل؟ لو كانوا يفكرون مثلنا لكانت حياة أفضل !

لكن.. ألا تتفق بأن هذا شيء طبيعي ؟

أعني أليس بديهيا أن يختلف الناس عنك في آرائهم حتى أقرب الناس إليك؟ هل تعرف لماذا؟

فكر في الأمر قليلا ..

هذا الشخص الآخر تربى تربية مختلفة.. تعلم تعليما مختلفا.. صادق أناس مختلفين عمن عرفتهم.. مر بتجارب شخصية صنعت شخصيته, ربما تختلف عما مررت به أنت.. شاهد برامج تلفزيونية مختلفة.. تعرض لظروف مختلفة عما تعرضت أنت له.. دعك من أنه من جنس آخر أساسا, لو كنت تتحدث عن شريك حياتك.

إذن فمن المنطقي ألا يكون مثلك ! أليس كذلك ؟

إليك قصة شهيرة.. قصة العميان والفيل :

كان هناك ثلاثة عميان, لم يعرفوا ماهو الفيل ولا كيف يبدوا..

وفي يوم من الايام طلب منهم ان يدخلو في غرفة بها فيل.. كما طلب منهم أن يصفوا ماهو بالضبط.

أولهم راح يتحسس الخرطوم وقال : الفيل يشبه الثعبان.. !

ثانيهم راح يتحسس الأرجل وقال : الفيل عبارة عن أربعة أعمدة !

وقال ثالثهم والذي كان يتحسس الذيل : الفيل يشبه المكنسة !

وبالطبع لم يصدق اي أحد ماقاله الآخر وراح كل واحد منهم يتهم الآخر بالكذب.. لأنه لم يصدق إلا ما لمسه بيده, والحكمة من هذه القصة هي أن الناس تتعامل مع نفس الموقف لكن كلا منهم يراه بصورة مختلفة..

هذه الفكرة التي عرفتها للتو ستجعلك أكثر تفهما للآخرين لأن كل شخص يتصرف طبقا لخبرته وتجاربه.. لأن كل شخص يتصرف وهو مِؤمن تماما بأنه على صواب يجب ان تأخذ بالحسبان أنه قد يكون كذلك وقد لايكون

هذا يجعلك أكثر تفهما للناس ولاخطائهم.. فسائق الدراجة الذي يملا الليل ضجيجا بصوت دراجته لايفعل ذلك لأنه شرير يريد نشر التلوث الضوضائي كي يجعل حياة الناس جحيما, لكنه يفعل مايفعله لان عقله يخبره بان هذا التصرف مقبول !

حسنا لنرى الامر من جانب آخر ؟

دعني أطرح عليك سؤالا.. هل الخفاش أعمى ؟

بالتأكيد هو أعمى فهو لايرى أليس كذلك ؟ هل أنت مصر على أن الخفاش يرى

يقول الباحث الشهير دوكنز في كتابه الجديد في الانتخاب الطبيعي إن الخفاش يرسل موجات ترتد عندما تصطدم بشيء ويستقبل الخفاش هذه الموجات ليقوم عقله بتكوين صورة ما في ذهنه يدرك بها العلم.. كما نفعل نحن بالضبط !

هذا منطقي بيني وبينك ..

فهل تعتقد أن الخفاش يحلق في السماء ويقول لنفسه : (سأرسل الآن موجات صوتية ولنرى معا متى ترتد.. هاهي قد ارتدت.. فلأحسب الوقت الذي استغرقته الموجات كي ترتد, كي أعرف هل يجب علي الانحراف يمينا أم شمالا !!) هههه في وقت هذه التساؤلات سيصطدم الخفاش ويهوي أرضا

بالتأكيد هو لايقوم بهذا.. وإلا لما عاشت الوطاويط حتى يومنا هذا, إلا الحاصلة على الدكتوراه في الفيزياء خخخخ

بالتأكيد هذه العملية لا إرادية تماما.. كما تقوم عينك باستقبال الأشعة الضوئية وإرسالها الى الشبكة كي ترسلها بدورها الى المخ كي يقوم بترجمتها الى صورة الصفحة التي تراها أمامك الآن ..

إذن فالخفاش من وجهة نظرنا أعمى لكنه في الحقيقة ليس كذلك فهو يرى الأمور بصورة مختلفة عنا ..

هل رأيت كيف أن الامور تختلف أحيانا عما نراه به.. هل ترى بان هناك أمورا تجهلها وتفوق تصوراتك.. هذا بالتحديد ما أريد ايصاله لك فمعظمنا نختلف في طريقة التفكير واحيانا الحقيقة تختلف عما نراها به, قد تقول بان شخصا ما مخطئ لكن هذا يبقى من وجهة نظرك فقط فربما يرى شخص آخر بانه محق من وجهة نظره..

هل مازلت تفكر بأن الآخرين مخطئون وانت فقط المحق.. فلنضرب مثالا آخر..

انت تحب هواتف الايفون وترى بانها افضل الهواتف على الاطلاق لربما انت محق بذلك لكن ان تعتقد بان شراء هواتف غير الايفون هو شيء غبي او مضيعة للوقت فهو اعتقاد خاطئ.. فهناك من لايملك الاموال لشراء الايفون.. تخيل لو كانت اذواقنا جميعا متشابهة وجميعنا نرى بان الايفون هو الهاتف الوحيد الذي يستحق الشراء تخيل هذا ! لو حدث مثل هذا لكانت معضم الهواتف الاخرى خردة في السوق ولن يتم شرائها من طرف أحد ! هل تخيلت هذا ؟

تخيل مرة أخرى بانك تعتقد بأن الذهب هو المعدن الافضل لشرائه لزوجتك وأن اي معدن آخر لن يعتبر بمكان بانه المعدن الارقى الذي يليق بمكانة الزوجة.. هل يمكن ان يكون هذا صحيحا ؟ هل يمكن ان يضيع الحب لاجل المعدن ؟

هل ترى بان الذهب أفضل من الفضة او من الالماس او الزمرد او غيرها؟ هل تعتقد بأنك صحيح ويجب على الاخرين ان يعتقدوا مثلك ؟

حسنا, انت ترى بان الذهب هو المعدن الافضل.. هناك من يرى بان الفضة هي الافضل.. وهناك من يتفق على ان الألماس والزمرد هما الاغلى اذن فهما الافضل.. هل رايت كم رايا هنا ؟ هل شاهدت عدد الاحتمالات لتفكير الناس التي تختلف عن تفكيرك ؟ هذا دليل آخر على أننا مختلفون عن بعضنا، إن الاختلاف ليس شيئا سيئا بل هو فطرة ميزت بعضنا عن الآخر، اختلافنا لايعني بأننا لايمكن أن نتواصل فأحيانا يكون الكمال في غض البصر عن النقائص .