جميع السلطات القمعية – سواء أكانت سياسية أو دينية أو اجتماعية أو غيرها – تعتمد على الحقيقة الجوهرية التي تقول بأنك مراقب من قبلنا دوما وتستخدمها كأداة أساسية لفرض الامتثال والالتزام والقمع المخالفة, فمن مصلحة هذه السلطات أن تنبه أفراد المجتمع بأنها ستعلم بكل مايجري, إن الحرمان من الخصوصية سيسحق أي إغراء بالانحراف عن القوانين والأعراف بفعالية أكبر من أي قوة أخرى .
إن القوة المسيطرة والمؤذية للمراقبة الشاملة والرقابة الذاتية التي تنتج عنها مثبتة في مجموعة من تجارب العلم الاجتماعي التي تمتد بعيدا إلى ما وراء النشاط السياسي, تظهر دراسات وافية كيفية عمل هذه الاستراتيجيات على المستويات الشخصية والنفسية الأشد عمقا.
في إحدى الدراسات قدم فريق من الباحثين للمشتركين تصرفات مريبة أخلاقيا, كالإحتفاظ بمبلغ كبير من المال وجد في محفظة على الطريق, أو معرفة أن صديقا أضاف معلومات مزيفة لسيرته الذاتية, وطلب من المشتركين تقييم نسبة الخطأ في كل تصرف, لاحظت الدراسة أن المشتركين الذين أعطوا صورا تلمح إلى المراقبة – مثل عينين محدقتين, مراقبة من شخص ما.. – صنفوا الأفعال بأنها تستحق الإدانة بدرجة أكبر من أولئك الذين أعطوا صورة محايدة. وخلص الباحثون إلى أن المراقبة تحث الأشخاص المراقبين على تأكيد مصادقتهم على المعايير الاجتماعية السائدة, كما أنهم يحاولون بشدة مدارات سمعتهم.
وأجريت دراسة شاملة عام 1975 من قبل عالمين نفسيين في جامعة ستانفورد تحت عنوان" الآثار المخيفة للمراقبة ", بهدف تقييم تأثير المراقبة على التعبير عن الآراء السياسية المثيرة للجدل, وكان الدافع لإجراء الدراسة هو مخاوف الأمريكيين بشأن المراقبة الحكومية, وضع المشاركون تحت مستويات متنوعة من المراقبة, وطلب منهم إعطاء آرائهم بشأن تشريع الماريجوانا.
تبين أن المشاركين المهددين – الذين قيل لهم إن تصريحاتهم ستقدم للشرطة لأغراض تدريبية , كانوا أكثر ميلا لإدانة تعاطي الماريجوانا واستخدام ضميري المخاطب والغائب ( أنت, هم, الناس ) في لغتهم, أيد 44 بالمائة فقط من المشتركين الخاضعين للمراقبة التشريع, بالمقارنة مع 77 بالمائة من المشاركين الذين لم يكونوا مهددين, وعلى نحو موح سعى 31 بالمائة من الشتركين بشكل عفوي إلى الحصول على موافقة من الباحثين ( بالسؤال على سبيل المثال : هل هذا جيد ؟ ) في حين أن نسبة 7 بالمائة فقط من المجموعة الأخرى فعلت ذلك, كما سجل المهددون درجة أعلى بالشعور بالقلق والكبت .
لكن يمكن للمراقبة أن تشجع ما قد يعتبره البعض السلوك المرغوب, فقد وجدت دراسة بأن الشغب في الملاعب السويدية قد قل بنسبة 65 بالمائة بعد وضع كاميرات مراقبة, كما أن ارشادات الصحة العامة في ما يتعلق بغسل اليدين أكدت مرارا بأن احتمال غسل المرء ليديه يزداد بوضع شخص بالقرب منه .
يتم استعمال البيانات التي تم جمعها عن شخص أو منظمة من أجل الضغط ومحاولة الإخضاع, تشويه السمعة أمر رئيسي في كل تهديد والبيانات التي يعتقد البعض بأنها خصوصية أصبحت فجأة سلاحا مهددا في أيادي الأعداء, كثيرا ما تقوم بعض الحكومات بالدفع بأغلب الأشخاص الى الاستسلام بانهزامية أمام التهديدات التي تطال الخصوصية, معظم الناس تخاف من الظهور أمام الجمهور بهيئة المنحرف أو الشاذ لذلك فالناس تبذل مجهودات قوية للبقاء بصورة يمكن للمجتمع أن يتقبلها.
إن أغلب الحكومات تسعى لتقديم صفقات متعلقة بالخداع وإيذاء السمعة, جميع الأدلة تسلط الضوء على الصفقة الضمنية المقدمة للمواطنين : لاتشكلوا أي تحد, ولن يكون لديكم ما تقلقوا بشأنه,اهتموا بشؤونكم وادعموا أو على الأقل تحملوا مانفعله وستكونون على مايرام, بعبارة أخرى يجب عليكم الامتناع عن استفزاز السلطة التي تمتلك قدرات مراقبة, إذا كنتم ترغبون بأن تعتبروا خالين من الأخطاء, إنها صفقة تشجع على السلبية والطاعة والإذعان والطريق الأسلم والأكثر ضمانا لكي تترك وشأنك هي أن تبقى هاذئا ومسالما ومطيعا .
بالنسبة للكثيرين هذه الصفقة جذابة, وتقنع الأغلبية بأن المراقبة حميدة أو حتى مفيدة, غالبا ما يأتي الناس بمثل هاته التبريرات ويقولون : "أشك جديا أن أحدهم مهتم بي أو ما فائدة التجسس على حياة شخص تافه مثلي أو أنه ليس هناك أحد مهتم بسماع مرض جدتي وعلاجه أو تخطيطي لعطلة ما ", أولئك الناس أصبحوا مقتنعين بأنهم لن يكونوا مستهدفين شخصيا – لأنهم مسالمون ومطيعون – ولهذا السبب فهم إما ينكرون أن يحدث هذا, أو لا يكترثون, أو مستعدون لدعمه صراحة.
إذا كنت تفهم حقا مفهوم الخصوصية وإن كنت تدرك أهميتها فيجب عليك من الناحية الأخرى أن تقلق على مراقبة وتجسس البعض عليها, يجب أن تدرس أغلب الاحتمالات فادراك أن باستطاعة أحدهم التجسس على هاتفك أو حسابك في فيسبوك ليس متوفرا عند الجميع, قد لايصدق البعض هذا وقد يعبر البعض بالامبالات لكن يمكن أن تتأكد من أن هذا يحدث حقا, إذا كنت تحصل على الإنترنت لديك من مزود خدمة ببلدك فيجب أن تعلم بأن مزود الخدمة هذا يمكنه أن يجمع عليك الكثير من المعلومات خاصة إن تم الاستعانة ببرامج تجسس فقد يكون كم المعلومات التي يستطيع مزود الخدمة جمعها عليك هائل, قد يعترف البعض بضرر المراقبة لكن قد يجهل البعض ذلك لكن هنالك شيء يمكن تأكيده إن كنت من الاشخاص الذين يمتلكون معلومات يخفيها عن البعض فيجب أن تعلم بأن هذه الخصوصية يمكن أن تسبب القلق في حالة كشفها أمام أصدقائك لان معظمنا يرغب بالظهور أمام المجتمع بصورة طبيعية نقوم بالاحتفاظ ببعض المعلومات لانفسنا فقط ويمكنك تخيل ما معنى أن شخصا يتجسس على شيء تخفيه .
أضف تعليق: