هل قراءة أشياء لاعلاقة لها بتخصصك أمر مهم فعلاً في الحياة ، أم انها نوع من أنواع الإدعاء فقط ؟ هل تنعكس ثقافتك إيجاباً على حياتك الشخصية, المالية منها والاجتماعية ، نوعية البشر الذي تجدهم في طريقك ؟ أم انها مجرد رغبة في إظهار وجودك وسط الآخرين ، أو انك تعرف اكثر, أو ربما رغبة في جذب الانظار إليك بإعتبارك الاكثر علماً وعمقاً ..
بمعنى آخر ، ماذا سيفيدك - عملياً - قراءة رواية لأشهر كتَاب العالم؟ ما الذي تغيّـر في وضعك المالي والأخلاقي والإجتماعي ؟ ماذا سيفيدك قراءة كتاب عن نشوء المجرّات وانت تجلس في غرفتك الصغيرة في ضاحية هامشية في مدينة هامشية في بلد ما ولديك من المشاكل والهموم ما يتجاوز حتماً اهتمامك بنشوء المجرات ؟ ماذا ستستفيد لو قرأت كتابا حول تربية الحيوانات وأنت تعمل في مجال الإلكترونيات؟
98 % من النقاشات التي خضتها بخصوص مفهوم الثقافة عموماً ، والتي يتعلل أصحابها بعدم أهميتها ، تكون الإجابة الأولى : ثم ماذا ؟ ماذا سأستفيد من وراء قراءة كتاب كهذا أصلاً ؟ ما الذي سيغيره الكتاب في حياتي المباشرة .. هل سيجعلني أجني نقودا أكثر؟ أو حتى أن بعضهم يعتبر هذه الحالة حماقة وتضييعاً للوقت .. ويقولون لك كان من الاجدر ان تستغل هذا الوقت في أمور " نافعة " ..
هل الثقافة في حد ذاتها غاية ، أم وسيلة للوصول الى غاية اخرى ؟
حسنا, كسؤالي لك هل ترى بأن الإنسان الذي يقرأ كالذي لايقرأ؟ إن قراءة أشياء لاعلاقة لها بتخصصك ستفيدك في حياتك سواء الآن أو في وقت لاحق, ان قراءة أشياء لاعلاقة لها بتخصصك تفيد على المستوى الفردي أولا حيث تنميه ثقافيا وفكريا تجعل ثقافته قوية متينة لا هزيلة ضعيفة، عندما تصبح ثقافة الفرد متينة فبتالي هو ينتبه إلى ما يجري في حياته و بلده من تدهور وتخلف مستمر في جميع المجالات، وبه تنشئ لديه إرادة للتغيير وما التغيير المجتمعي لا يبدأ إلا بمبادرة شخص واحد من المجتمع ولنا في تطور دول كثيرة مثال كتركيا أو ماليزيا تطورها كان مرتبطا بإرادة شخص للتغيير.
إن أكبر قدر من العلم يمكن له أن يعطيك أكبر عدد من الأفكار وأكثرها جودة على الإطلاق, حسنا, في حياتك العملية مثلا إذا كنت تعمل أستاذا فماذا سينفعك قراءة كتاب حول الألوان؟ ببساطة سيفيدك في اختيار ملابسك أو دهان منزلك, ستستطيع تعليم طفلك كيف يختار ألوان ملابسه مثلا, إذا كنت تعمل مسوقا إلكترونيا فماذا ستنتفع بقراءة كتاب حول الكهرباء؟ ببساطة ستتمكن لاحقا من تصليح عطل كهربائي قد يحدث في منزلك, قد تصبح لديك معرفة لأخذ تدابير الحيطة في منزلك حتى لايصاب أولادك بخطر ما وهناك آلاف الأمثلة المشابهة لهذا..
شخصيا في مرحلة التعليم الثانوي وجدت بالصدفة أحد المقالات بالإنجليزية حول الألوان كانت مقالة تحتوي على كل شيء يخص الألوان تقريبا فهمت منها مافهمت وترجمة ما لم أفهمه, لم أكن أعتقد بأنني سأحتاج ماقرأته لكنني فعلت واحتجتها, الآن لدي خبرة جيدة نوعا ما في اختيار الألوان وطريقة التنسيق بينهم, أنا الآن أصمم بالفوتوشوب, وأصمم صور المقالات التي تراها واختيار الألوان مهم بالنسبة لي وخاصة التنسيق بين لون وآخر, عند قراءة تلك المقالة لم يخبرني أحد بأنني سوف أحتاج هذه المعلومات مستقبلا لكنني بطريقة ما احتجتها.
في المدارس مثلا, يشتكي العديد من الطلاب من قراءة أشياء كثيرة ويدعون بأنهم لن يحتاجوها في حياتهم خاصة في الرياضيات, وعندما نصل إلى المرحلة الجامعية تبدأ الأمور تتوضح شيئا فشيئا كلما تخصصت أكثر, المنطق مثلا كان له دور عظيم في اختراع الكمبيوتر, التكاملات حاليا تستعمل بكثرة في الرادارات, القياسات والدوال استعمالاتهم في كل شيء تقريبا وإن بدأنا بذكر الأمثلة فلن نخرج من هنا.
سأشبه قراءة أشياء لاعلاقة لها بتخصصك بالدليل السياحي، الذي يدلك على المعالم لتختار منها فيما بعد مايعجبك و تتعمق به, وسأشبهها أيضا بالحافظة التي يمكنك أن تضع فيها الأشياء وتعود لتأخذ منها ماتحتاجه من وقت لآخر.
كما أنها تساعدك على فهم الحياة بشكل أعمق، مما سيُنتج عدة منافع، مثلا أبسط شيء عندما تقرأ كتابا ما سوف تكتسب تجربتك الشخصية, وتجربة الكاتب, والتجارب المتواجدة فيه, سوف تحصل على ثلاثة تجارب, لا أحد ينكر أهمية التجارب وأنت ستحصل على ثلاثة منها.
لذلك لا يصح أن نقول لماذا أقرأ كتابا ليس من تخصصي! لايجب ان تسأل نفسك لماذا أقرا كتاب نشوء المجرات وأنا أعيش في ظروف مزرية! تلك الظروف المزرية ستنجلي إذا كان الإنسان واعيا بحق بالمشكلة وكيفية حلها وما يعي الإنسان ذلك إلا عن طريق القراءة والتعلم.
أضف تعليق: