تطور التكنولوجيا, هذا هو الشيء الذي يشغل معظم الأخبار ومعظم الشركات اليوم, إن تطور التقنية لايظهر مباشرة بل يتم طرحه تدريجيا في السوق, فالأنترنت على سبيل المثال لا الحصر لم تتطور هكذا دفعة واحدة بل كانت لها مراحل عديدة لدرجة أننا لم نلاحظها وأصبح لدينا اليوم مايسمى بالويب 2.0 ومازال الأمر في تطور لدرجة أن هناك العديد من الأشخاص الذين يدفعون وقتهم ورواتبهم خصيصا لهذا الأمر.
الشيء الوحيد الذي يشغل العالم فيما يخص التطور اليوم هو الذكاء الإصطناعي, صحيح أن الأمر مازال ضمن الأبحاث والدراسة إلى أنه يتم طرحه في السوق بشكل تدريجي والأمر الخاطئ الذي يذهب إليه الأشخاص عند سماعهم لكلمة الذكاء الإصطناعي, هو روبوت لديه أذرع وأرجل يشبه الإنسان نوعا ما يحاول الجميع جعله ذكيا كالإنسان وهذا الشيء خاطئ نوعا ما فالذكاء الاصطناعي الآن موجود في أغلب الأشياء تقريبا فمواقع التواصل الإجتماعي مثلا وموقع يوتيوب الشهير وغيرها من المواقع المشهورة الأخرى تحتوي على الذكاء الإصطناعي حاليا, يتوقع الكثير من المختصين بأن الذكاء الاصطناعي سيغزو عالمنا بحلول 2030 وهذا أمر ليس بالبعيد, لكن بالنسبة لي فتطور مثل هاته التقنية ليس بالضرورة شيئا جيدا فما أراه على مستوى الإنترنت لايعجبني وسأخبر في باقي المقال سبب هذا.
بداية سأتكلم على منهج الذكاء الإصطناعي في مواقع أستخدمها أنا شخصيا ويستخدمها الكثيرون مثلي وسنأخذ بشكل عام منهجا متبعا يمكن تطبيقه بصورة عامة.
هناك منهج ثابت متبع في معظم المواقع التي تطرح لك خلاصات الأخبار أو الفيديوهات والتي تمتلك مايسمى بالصفحة الرئيسية حيث تجد بها أغلب الأشياء التي يتداولها الآخرون ونالت إعجابهم, لو تأملت الأمر قليلا فستجد بأن معظم الأشياء التي تراها في حسابك على فيسبوك أو تويتر أو حتى في يوتيوب لايقتصر إلا على أشخاص محددين وأشياء تم التفاعل معها من قبل فئات إما أنك تتراسل معهم كثيرا أو أنك تتفاعل مع منشوراتهم أو أنهم يسكنون في مناطق مجاورة لك, مايقوم به الذكاء الاصطناعي هنا هو جمع بعض المعلومات حول الأشياء التي تهمك, وأقصد بتهمك هنا ماذكرته سابقا سواء شخصا تتراسل معه كثيرا أو منشورات تتفاعل معها باستمرار أو أن الأشياء التي تظهر لك هي أشياء تخص المحيط الذي تتواجد فيه كمدينتك أو بلدك مثلا.
بهذا الشكل يقوم الذكاء الاصطناعي بالتقرير بدلا عنك, فيعتقد مثلا تويتر بأن هناك تغريدات لست مهتما بها أو أنك لا تقضي وقتا طويلا في تصفحها لذلك يعمل على عدم عرضها لك مرة أخرى وفيسبوك أيضا فتفاعلك مع بعض المنشورات بشكل دائم يجعل فيسبوك يعتقد بأن مثل هاته المنشورات هي من يجب أن تحتل المراتب الأولى من صفحتك الرئيسية وبأن الصفحات التي لا تتابعها حتى وإن كنت قد سجلت إعجابك بها لن تظهر لك على الإطلاق, كل هذه المعطيات ستجعل الأخبار التي تحصل عليها محدودة جدا وتم إختيارها إستنادا على زر إعجاب قمت به أو تعليق كتبته.
هذه الأمور متواجدة كذلك في محركات البحث الشهيرة مثل جوجل على سبيل المثال لا الحصر, نتائج البحث التي تراها ليست عشوائية إطلاقا, بل يتم ترتيبها وتصنيفها على أساس معايير من بينها جودة المحتوى وجودة المحتوى له معايير أخرى متعلقة بالزمن الذي يقضيه الزائر في قراءة هذا المحتوى ومدى التفاعل معه سواء بزر الإعجاب أو التعليق أو غيرها, توجد العديد من المعايير التي يمكنها تصنيف المحتوى على أساس أنه مهم أو قليل الجودة أو أنه إحتيالي ويحتوي على أشياء تحرض على العنف أو توحي بالجنس أو غيرها, مثل هاته المعايير يتم أخذها بالحسبان من أجل بناء نتائج بحث يُعتقد بأنها الأفضل.
في يوتيوب أيضا يحصل نفس الشيء لكنه يتوسع قليلا, حيث أن معظم الفيديوهات التي تحصل عليها هي فيديوهات رائجة في منطقتك وما أقصده برائجة هو أن مثل هاته الفيديوهات يتم البحث عنها بشكل كبير من قبل الأشخاص أو أن مثل هاته الفيديوهات حصلت على تفاعل كبير, ولأن الذكاء الإصطناعي تهمه مثل هاته المعلومات هو يقرر بدلا عنك بأن مثل هاته الفيديوهات مثلما أعجبت الآخرين فهي ستعجيك أيضا وبالتالي سيتم وضعها في صفحتك الرئيسية أو في لائحة إقتراحات المشاهدة واعتبارها ذات صلة وغيرها من الأشياء.
هذه الأفكار المتعلقة بالذكاء الإصطناعي لها دلائل مأساوية حقا, فهي بصورة ما تقول بان الأشياء التي لاتتفاعل معها فورا لاتهمك إطلاقا, فمثلا لو وجدت صفحة علمية أعجبتك ولم تقم بالتفاعل مع منشوراتها وتعليقاتها فستختفي من صفحتك الرئيسية للابد, والفكرة التي يتم بنائها هنا هو أنه يجب عليك أن تبقى متفاعلا دوما وإلا فسيتم إحتساب الاشياء التي لاتتفاعل معها على أنها اشياء غير مهمة, وهكذا فزر الإعجاب الذي يعتقد الآخرون بأنه شيء للتفاعل لاغير هو شيء يحدد نوعية الأخبار التي ستحصل عليها, كذلك الأمر بالنسبة للتعليق والمشاركة وغيرها.
النتيجة الفورية لتوظيف الذكاء الاصطناعي بهذا الشكل هو إستبدال المحتوى المفيد والمعقد على الإنترنت بأشياء سطحية, ويمكن أن يؤول الأمر لأن تصبح مواقع التواصل الإجتماعي أمرا طاغيا على مستوى الإنترنت, فكما يتم ملاحظته الأشخاص يحبون الأمور السطحية و القصيرة جدا, وأي محتوى طويل سيكون محتوى مملا وغير مهم بتاتا, ليس هذا فحسب بل إن معظم الأخبار التي ستحصل عليها ستكون منحصرة في مدى تفاعلك معها أو مدى رواجها بين الآخرين, وبالتالي سيقوم الذكاء الإصطناعي والأشخاص الآخرين بالتقرير بدلا عنك في أي الأخبار وأي نوع من المحتوى يجب أن يظهر لك.
أغلب الأشياء التي تشير إليها التقنية حاليا هو أن هناك إتجاها جديدا ستؤول إليه الإنترنت قريبا, هذا الإتجاه يقول بأن المواقع الأكاديمية والتعليمية لن تصمد طويلا, والسبب هو أن الأشخاص أصبحوا يثقون بالمعلومات التي يحصلون عليها من المواقع الإجتماعية تحديدا حيث تجد بأن الأغلبية يحصلون على الأخبار من أصدقائهم ومن صفحات المشاهير التي يتابعونها أكثر من المصادر الأكاديمية الموثوقة, إن جيل الإنترنت الجديد لن يكون مدمنا لمواقع التواصل الإجتماعي فقط بل إنه لا يفضل الحصول على المعلومة إلا من خلالها.
موضوع مثير حقا لاطالما تساءلت على بعض الامور لكني وجدت الجواب هنا، شكرا لك
ردحذف