كم عدد المرات التي اشتريت فيها جهازًا إلكترونيًا ، وكم عدد المرات التي توقف فيها عن العمل بعد وقت قصير من شراءه؟ هل لاحظت بأن معظم المنتجات التي نشتريها لا تبقى طويلا بين أيدينا وفي أغلب الأحيان تنكسر أو تتعطل بعد وقت قصير من شراءها؟
إن المبدأ الذي بني عليه السوق يجعل كل فرد منا ينفق الكثير من الأموال بدون توقف ، أعتقد بأن العديد من الأشخاص إشتروا أشياء باهضة الثمن لكنهم فوجئوا بأنها لم تعد تعمل بالشكل الصحيح أو أنها أصبحت مهترئة أو حتى كسرت بعد وقت قليل من شراءها, عند النظر من زاوية أخرى نجد بأن السوق يقودنا للإستهلاك دوما حتى ولو إشترينا منتجا ما فسيتم طرح نفس المنتج بعد شهر ويتم تحسينه قليلا أو هكذا يقال في الحملات الإعلانية والإشهارية فنجد بأننا نريد حقا تجربة هذا المنتج بحلته الجديدة لكن عندما تشتريه ستجد بأنه لا يختلف عن المنتج السابق كثيرا, هناك الكثير من الحيل المستعملة في الأسواق من قبل البائعين والشركات والهدف طبعا هو دفعك للإستهلاك بدون توقف.
ولكن لماذا هو كذلك؟ لماذا يكون عمر معظم المنتجات قصيرًا جدًا ، مع الأخذ بعين الإعتبار أن وسائل الإنتاج التكنولوجي الآن حديثة ومتقدمة للغاية؟
الإستهلاك الدوري
يعتمد نظامنا الاقتصادي على الاستهلاك وكلما اشترينا أكثر انتقلت الأموال إلى الاقتصاد ، وبالتالي ازداد الاقتصاد وازدهر. إذا توقفت عن الإستهلاك فبشكل محتم ستتوقف النقود عن التحرك ، وبالتالي فإن النظام الاقتصادي سيتعرض للانهيار ،هناك أناس لن يتقاضوا رواتبهم وهناك أشخاص سيخسرون أموالهم إن لم تبع منتجاتهم, بطبيعة الحال يمكنك أن تفكر بأن المنتجات التي تراها في الأسواق ينتجها ملايين الأشخاص الآخرون, تخيل لو تم صنع منتجات تدوم لعشرات السنوات هذا يعني بأن هناك الملايين من الأشخاص سيصبحون عاطلين عن العمل لمدة عشرة سنوات كذلك, ليس فقط العمال هم الذين سيتضررون, بل حتى الشركات, والبائعون ورؤساء الأموال والمستثمرون, بإختصار نظامنا الإقتصادي مبني على الإستهلاك الدائم وتوقف هذا الإستهلاك يؤدي إلى إنهيار هذا النظام.
هناك طريقتان رئيسيتان لإبقاء الناس يشترون الأشياء :
أولا ، من خلال الإعلانات . نحن نتعرض لآلاف من الإعلانات كل يوم هدفها الوحيد هو إقناعنا بالحفاظ على التسوق وذلك من خلال إقناعنا بأن ذلك سيجعل حياتنا أفضل. من خلال الإعلانات، تمكنت الشركات من جعلنا نخلط بين احتياجاتنا ورغباتنا ، مما يجعلنا نرغب في الحصول على أشياء لا نحتاج إليها حقًا ، حتى نتمكن من إرضاء غريزتنا.
ثانيا ، من خلال جعل المنتجات آيلة للزوال ، هذا الأسلوب من الإنتاج يجبر الناس على شراء المزيد والمزيد من الأشياء دون داع ، من خلال تزويد الناس بمنتجات ذات عمر افتراضي قصير. بدلاً من إنشاء سلع تستمر لوقت أطول طالما أنها ممكنة من الناحية التقنية مع الأخذ في الاعتبار أننا نعيش في كوكب محدود بموارد محدودة ، فضلاً عن أهمية توفير المواد والطاقة البشرية لكل هذا, لكن كل هذه العوامل لاتعطيها الشركات أي إعتبار بينما يكون إهتمامها الوحيد هو المبيعات وتصميم منتجات بمميزات تجعلها رائعة لكن ببنية هشة تجعلها تنكسر في وقت قصير وهذا طبعا من أجل ضمان تكرار الشراء.
للتأكد من قيام الأشخاص بعمليات شراء متكررة ، يقوم معظم المصنّعين حاليًا بإنشاء منتجات لها دورات حياة قصيرة. بعبارة أخرى ، فإن المنتجات التي تبيعها معظم الشركات قد تم تصميمها عن قصد بطريقة تجعلها تنكسر بعد فترة وجيزة من شرائها ، وذلك لحث الجمهور العام على شراء المزيد منها في المستقبل.
كفاءة السوق مقابل الكفاءة التقنية
في نظامنا الاقتصادي ، الذي يعتمد على الاستهلاك الدوري ، لا تؤدي الكفاءة التقنية وطول عمر المنتوج إلا إلى الإضرار بكفاءة السوق, كفاءة السوق والكفاءة التقنية شيئان لا يمكنهما التعايش مع بعضهما. زيادة الكفاءة التقنية تقلل من كفاءة السوق ، مما يعطل تدفق اقتصادنا.
ولكن كم هو غبي أن تستمر في امتلاك نظام اقتصادي كهذا ، وأن نعرف كيف أن هذا النظام غير فعال من الناحية الفنية وكذلك تأثيراته السلبية الهائلة على المجتمع والعالم, بدلاً من حث الناس على شراء المزيد والمزيد ، أليس من الأفضل الاستفادة من معرفتنا العلمية الحالية لإنشاء نظام اقتصادي قائم على الكفاءة التقنية والاستدامة البيئية؟
في السنوات الأخيرة تغيرالسوق بشكل معتبر حيث صارت الشركات تدفع ملايين الدولارات في الأبحاث العلمية وكما نلاحظ نحن فإن المنافسة في السوق أخذت منحى مختلف عن السابق حيث أصبحت المنتجات أكثر صلابة من قبل وأصبحت المنتجات تتنافس في الذكاء والجودة وحتى طول العمر, لكن النظام الإقتصادي مازال مبنيا على فكرة الإستهلاك و مازالت المنتجات تصمم على أساس يجعلها سهلة الكسر أما المنتجات التي تمتلك عمرا طويلا فستجد بأنها مرتفعة الثمن بشكل يجعل أي مستهلك عادي لا يمكنه شراءها, لهذا ففي كل مرحلة سنعود إلى نفس النقطة, نظامنا الإقتصادي مبني على الإستهلاك المستمر ومازال كذلك.
قد يقول البعض وما ضرر هذا, تخيل فقط المنتجات التي تستلزم صناعتها قطع الأشجار وقتل الحيوانات و بعث الغازات إلى بيئتنا, أود أن تأخذوا هذه الأسئلة في الاعتبار ، وأتمنى أن تكون فكرتي قد وصلت لمعظمكم وأن تساعدكم على إدراك مدى عجز نظامنا الاقتصادي, هذا الموضوع بالتحديد أتمنى أن يناقش في الدكتوراء لأننا نحتاج فعلا للبحث عن معلومات حول الكيفية التي يمكن بها خلق أنظمة اقتصادية بديلة من شأنها أن تعزز محيطنا الاجتماعي والبيئي.
أضف تعليق:
0 comments: